أفتح قلبك لحب الله تعالى ؛ فلقد حان الوقت الآن لتعرف معنى الحب ، لتذوق حلاوة الحب ، لتتنعم بهذا الدفء والإحساس الراقى بالود ، فالله ودود معك ؛ وأنت من اليوم لابد أن تقابل هذا الود بخطوة نحو التواصل الجيد مع الله تعالى .
أليس هو سبحانه من أسقاك و أطعمك ؟! ، أليس هو سبحانه من وقف بجوارك عندما تخلى عنك الصديق والحبيب؟! ، أليس هو سبحانه من وهبك نعمة الرؤية والتحدث والعقل؟! ، أليس هو من أغناك وآواك وهداك إلى صراطه المستقيم؟!. يقول تعالى فى كتابه الكريم : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) صدق الله العظيم (سورة الضحى).
أنه جلا جلاله ما قصد خلقك إلا ليحسن لك ؛ وينعم عليك ؛ ويعطيك ؛ ويرزقك ؛ ويكرمك ؛ ويقوم بأمرك ؛ ويرفعك ؛ ويفتح عليك أبواب البركة والخير الوفير .. وما حرمك فى الدنيا من شئ إلا ليعطيك خيراً منه فى الدنيا أو فى الآخرة ، وما شد على يدك إلا ليريك طريق الحق والهدايه لتتبعه ؛ وما ضيق عليك إلا ليفرجها لك أكثر من ذى قبل لتشعر بقيمة ما فى يديك ؛ يقول تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) صدق الله العظيم (سورة الشرح).
يقول العارف بالله ابن القيم رحمه الله: " مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وماذاقوا أحلى مافيها ، فقيل له: وما أحلى مافيها؟، قال حب الله عز وجل"
- نعم - افتح قلبك لحب الله تعالى .. فلقد حان الوقت الآن لتعرف معنى الحب ، لتذوق حلاوة الحب.
وتعال معى نقرأ عن لحظات السكـٌر فى حب الله لعالمنا الجليل دكتور مصطفى محمود من كتابه عظماء الدنيا وعظماء الآخرة .. فهو يقول : ( لا أظننى وحدى الذى عشت تلك اللحظات وباشرت ذلك الشعور .. ذلك الإحساس المؤنس قد عاشه كل منا حينما بلغ شاطئ البحر وألقى بكل همومه خلفه وطرح الدنيا وراءه وألقى بنظرة شوق عانقت المياه اللازوردية وغرقت فى لانهائية الأفق واستسلمت لتلك المعية المبهمة وذلك الحضور الغيبى .. ذلك العناق الجميل مع المطلق .. فأنا وحدى ولست وحدى .. فمن وراء الزرقة اللازوردية ومن خلف همهمة الموج ومن وراء الإطار البديع واللوحة المرسومة بإعجاز .. هناك يد الخالق المبدعة لكل هذا .. هناك ذات الرسام انشقت عنها الحجب واستشفها الوجدان واستشرقتها البصيرة.
فكأنما يدور الخطاب بين ذات الرب وذات العبد .. وكأنما يقول لى ربى : ليس بينى وبينك بين .. ليس بينى وبينك أنت ..
هذا أنا وأينما توليت فليس ثمة إلا وجهى ؛ كل شئ لى ، فكيف تنازعنى ما لى ، كل شئ لى وأنا لا شريك لى.
حتى "الأنا" لى وأنت تدعيها لنفسك .. وهى لك نفحة منى أعطيها متى أشاء واستردها متى أشاء).
ويستطرد فيقول عن لحظات السكـٌر فى القرب من الله تعالى: (هى لحظة فريدة من لحظات التجرد الكامل يشعر بها أصحاب القلوب فى مجابهة الجمال .. لحظة من لحظات التبرى والتخلى عن كل الدعاوى والمآرب والأوطار .. والخضوع لصولة الجمال والجلال).
كانت هذه لحظات القرب من الله تعالى نقل لنا حلاوتها دكتور مصطفى محمود ، لعل المدبرون عن الاتصال والقرب منه سبحانه وتعالى يعلمون ما ينقصهم وما يفتقدوه فى حياتهم الفارغه ، وما يفوتهم من التمتع بأسمى درجات الحب وتذوق حلاوته والشعور بروعته .
أوحى الله تعالى لداود : يا داود لو يعلم المدبرون عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابوا شوقاً إليَّ .. يا داود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف محبتي في المقبلين عليَّ.
عزيزى القارئ: ألم يمتلئ قلبك بعد بحب الله تعالى والرغبة فى وده ووصاله ؟!
فأنظر إلى بداية نشئتك منذ كنت جنيناً فى بطن أمك .. من إنبتك وسواك من العدم ؛ وزودك بغذائك وتنفسك وأنت فى رحم أمك ؛ من صنع أجهزتك الحيوية وأعضائك ؛ من عدل وضعك وهيأ الجسم لإخراجك ؟!.
وحين كنت وليداً وظهرت للوجود .. من أخرجك للنور ؛ ومن قام بأمرك ؛ من علم أمك إرضاعك وهداك لصدرها لتتغذى ؛ من منحك صوتاً ووعياً لتصرخ وأنت رضيع حتى يعلم أبويك أنك تتألم من شئ أو تطلب شئ ؛ من أعطاك حواسك الخمسة ؛ وكان رفيقاً بك فجعل جسدك كثير المرونة حتى إذا وقعت لم تتأذى ؛ من غرس فى قلب واللديك الحب لك والرفق بك؟!.
وفى مرحلة الطفولة وأنت لا زلت غضاً ضعيفا .. من سخر لك واللدين لتلبية جميع إحتياجاتك ؛ من منحك نعمة التعلم والفهم ؛ وطور من قدراتك ومهاراتك ؛ ومن أنمى جسدك كلما تقدم سنك بشكلاً منظم ودقيق؟!.
وحين بلغت الشباب .. من طور عقلك فأصبح يدرك ويحلل ويستنبط ويربط بين الأمور ؛ ومن أمر واللديك بإحسان تربيتك وجعلهم مسئولون عنك ؛ ومن سن القواعد وبين لك الحلال والحرام ليحفظ لك حيويتك وشبابك ويحميك من الموبقات والزلات وإهدار طاقتك وصحتك النفسية والجسدية فيما لا يفيد ؛ وبالرغم من رعونة الشباب وإجترارك الكثير من الذنوب ؛ من منحك الفرصة بمضاعفة حسناتك فجعل الحسنة التى تعملها بعشرة أمثالها ويزيد ؛ وجعل السيئة بمثلها ويعفو ويتوب عليك؟!.
وعند الأربعين .. رفض أيضاً أن يتركك تبتعد عن رحمته ؛ فأمرك بالدعاء لنفسك ليحقق لك كل ما ترغب فيه وتسعى إليه ؛ وكان لك ذنوباً كثيرة فى شبابك فإبتلاك بالمحن ليطهرك ويرفعك ويزكيك ؛ وذهبت إليه لتسئله حاجتك وظننت أنك بعيداً عنه لذنوبك ؛ فنزل إليك بجلاله وعزته وقدرته فى السماء الأولى كل ليلة ليسمعك ويلبى ندائك ويغفر لك ويعفو عنك ويجيب دعائك .. ويقول لك عبدى أنى قريب .. فأطلب ما تشاء.
وفى الشيخوخة .. من بعث لك الكثير من الرسائل ليعلمك بأن النهاية أقتربت ؛ ويجب أن تدرك ما فاتك قبل فوات الأوان؟! .. فأشاب شعرك وأرخى جلدك وأضعف جسدك وأحنى ظهرك - أن أنتبه - فأنت تدنو من النهاية وأنا أريد أن تفعل شئ أى شئ لأرحمك ؛ وأنت تقول كيف يرحمنى بعد كل ما أذنبت فى حياتى الماضية ؛ فيلطف بك أيضاً وهو "اللطيف" ويقول لك ولكل من أسرف فى الدنيا فى القرآن الكريم : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) "سورة الزمر – الآية 53" ؛ وهى من أكثر الآيات فرحاً فى القرآن فهى بشارة لكل المذنبين بالمغفرة والرحمة.
فماذا تفعل بعد كل هذا ؟! أليس هذا وقت التواصل مع خالقك والإعتراف بفضله وطلب وده؟!
ألم تحبه حتى الآن سبحانه وترغب فى أن تقترب أكثر منه وتتواصل جيداً معه؟!
يقول تعالى فى الحديث القدسى : "عبدي أخرجتُك من العدم إلى الوجود وجعلتُ لك السمع والبصر والعقل .. عبدي أسترك ولا تخشاني ، اذكرك وأنت تنساني ، أستحي منك وأنت لا تستحي مني ، مَن أعظم مني جودا ومَن ذا الذي يقرع بابي فلم أفتح له ، ومن ذا الذي يسألني
ولم أعطيه ، أبخيلٌ أنا فيبخل عليَّ عبدي؟
جملة ترددت فى عقلى :
أبخيلٌ أنا فيبخل عليَّ عبدي؟ .. أبخيلٌ أنا فيبخل عليَّ عبدي؟
أبخل الله تعالى عليك يوماً بنعمه .. لتبخل عليه بودك له واتصالك الجيد معه؟!
إن تواصلك الجيد مع الله تعالى هو مفتاح سعادتك وفلاحك فى الدنيا والآخرة ؛ وبدون هذا التواصل تحرم الخير ؛ الكثير من الخير ؛ والنجاح فى حياتك .. وما تكليفه لك سبحانه وتعالى بالعبادة إلا لتستقيم أمورك ، وما تكليفه لك بالذكر والدعاء إلا لييسر لك كل شئونك ويعطيك ويحسن إليك. فكل ما اعطاك من تكاليف هى فى الحقيقة لصالحك ولخيرك ؛ فأنت لست ببالغ نفع الله تعالى فتنفعه ولست ببالغ ضره فتضره ؛ فأنت المحتاج لربك الذى لا تستطيع الإستغناء عنه وهو الغنى عنك كل الغنى .. فلماذا تحرم نفسك روعة و متعة التواصل مع خالقك العظيم؟!.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) (من الآية 15 إلى 17 سورة فاطر).
ويقول العارف بالله ابن القيم رحمه الله " في القلب شغف لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ،وفي القلب خوف وقلق لا يذهبه إلا الفرار إلى الله"
لذا فروا إلى ربكم .. وأنـَسوا بقربه .. واقبلوا على حبه .. فوالله لا حب إلا حبه تعالى .. ولا أنس إلى بلقائه سبحانه .. ولا راحة إلى فى معيته وحفظه.
يقول الشاعر إبراهيم بريول - رحمه الله:
رباه ها أنذا خلصت مـن الهـوى واستقبـل القلـب الخلـي هواكـا
وتركت أنسـي بالحيـاة ولهوهـا ولقيت كل الأنـس فـي نجواكـا
ونسيت حبـي واعتزلـت أحبتـي ونسيت نفسي خـوف أن أنساكـا
أنا كنـت ياربـي أسيـر غشـاوة رانت على قلبـي فضـل سناكـا
واليوم ياربـي مسحـت غشاوتـي وبـدأت بالقلـب البصيـر اراكـا
يا غافـر الذنـب العظيـم وقابـلاً للتـوب قـلـب تائـبـاً ناجـاكـا
يارب جئتـك ثاويـاً أبكـي علـى مـا قدمتـه يـداي لا أتبـاكـى
أخشى من العرض الرهيب عليك ياربـي وأخشـى منـك إذ ألقاكـا
يارب عـدت إلـى رحابـك تائبـاً مستسلمـاً مستمسـكـاً بعـراكـا
مالي ومـا للأغنيـاء وأنـت يـاربـي الغنـي ولا يحـد غنـاكـا
مالي ومـا للأقويـاء وأنـت يـاربي عظيـم الشـأن مـا أقواكـا
إني أويت لكل مأوى فـي الحيـاة فمـا رأيـت أعـز مـن مأواكـا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجـاة فلم تجـد منجـى سـوى منجاكـا
وبحثت عن سر السعـادة جاهـداً فوجدت هـذا السـر فـي تقواكـا
فليرضى عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعـى لغيـر رضاكـا
أدعـوك ياربـي لتغفـر جوبتـي وتعينـنـي وتمـدنـي بـهـداكـا
فاقبل دعائي واستجـب لرجاوتـي ما خاب يوماً مـن دعـا ورجاكـا